فصل: 363- باب النهي عن المسافرة بالمصحف إِلَى بلاد الكفار إِذَا خيف وقوعه بأيدي العدوّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.363- باب النهي عن المسافرة بالمصحف إِلَى بلاد الكفار إِذَا خيف وقوعه بأيدي العدوّ:

1794- عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يُسَافَرَ بالقُرْآنِ إِلَى أرْضِ العَدُوِّ. متفق عَلَيْهِ.
قال الشارح: النهيُ محمول على التحريم، لئلا يتمكنوا منه فيهينوه. أما إذا أمن ذلك، فيكره حمله سدًا للذريعة، وأخذًا بالأحوط.
وقال البخاري: باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو. وكذلك يروى عن محمد بن بشر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وتابعه ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أرض العدو، وهم يعلمون القرآن، ثم ساق الحديث.
قال الحافظ: أما رواية محمد بن بشر، فوصلها إسحاق بن راهويه في: (مسنده)، ولفظه: (كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو). والنهي يقتضي الكراهة؛ لأنه لا ينفك عن كراهة لتنزيه، أو التحريم.
قوله: (وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أرض العدو، وهم يعلمون القرآن)، أشار البخاري بذلك إلى أن المراد بالنهي عن السفر بالقرآن السفر بالمصحف خشية أن يناله العدو، لا السفر بالقرآن نفسه. وادعى المهلب: أن مراد البخاري بذلك تقوية لقول بالتفرقة بين العسكر الكثير والطائفة القليلة، فيجوز في تلك دون هذه، والله أعلم. انتهى ملخصًا.
وقال البخاري أيضًا: باب هل يشرد المسلم أهل الكتاب، أو يعلمهم الكتاب.
قال الحافظ: أورد فيه طرفًا من حديث ابن عباس في شأن هرقل، وهذه المسألة مما اختلف فيه السلف: فمنع من تعليم الكافر القرآن، ورخص أبو حنيفة، واختلف قول الشافعي. والذي يظهر أن الراجح التفصيل بين من يرجي منه الرغبة في القرآن، والدخول فيه مع الأمن منه أن يتسلط بذلك إلى الطعن فيه، وبين من يتحقق أن ذلك لا ينجع فيه، أو يظن أنه يتوصل بذلك إلى الطعن في الدين، والله أعلم. انتهى ملخصًا.

.364- باب تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة وسائر وجوه الاستعمال:

1795- عن أُمِّ سلمة رَضِيَ اللهُ عنها: أنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الَّذِي يَشْرَبُ في آنِيَةِ الفِضَّةِ، إنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ». متفق عَلَيْهِ.
وفي رواية لمسلم: «إنَّ الَّذِي يَأكُلُ أَوْ يَشْرَبُ في آنِيَةِ الفِضَّةِ والذَّهَبِ».
في هذا الحديث: أن الأكل أو الشرب في آنية الذهب أو الفضة من كبائر الذنوب.
1796- وعن حُذَيفَةَ رضي الله عنه قَالَ: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهانا عنِ الحَريِرِ وَالدِّيبَاجِ وَالشُّرْبِ في آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وقالَ: «هُنَّ لَهُمْ في الدُّنْيَا، وَهِيَ لَكُمْ فِي الآخِرَةِ». متفق عَلَيْهِ.
وفي رواية في الصحيحين عن حُذيْفَةَ رضي الله عنه: قَالَ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «لا تَلْبسُوا الحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَلا تَأكُلُوا في صِحَافِهَا».
الديباج: صنف نفيس من الحرير، وعطفه عليه من عطف الخاص على العام.
وفي الحديث: تحريم لبس الحرير من الديباج وغيره على الذكور.
وفيه: تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة على مكلف رجلًا كان أو امرأة، ولا يلتحق ذلك بالحلي للنساء؛ لأنه ليس من التزين الذي أبيح لهن في شيء.
قوله: «هي لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة»، أي: الكفار يستعملونها في الدنيا، وهي لكم في الآخرة مكافأة لكم على تركها في الدنيا، ويمنعها من يستعملها في الدنيا جزاء لهم على معصيتهم.
1797- وعن أنس بن سِيِرين قَالَ: كنتُ مَعَ أنس بن مالك رضي الله عنه، عِنْدَ نَفَرٍ مِنَ المَجُوسِ؛ فَجِيءَ بفَالُوذَجٍ عَلَى إنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ، فَلَمْ يَأَكُلْهُ، فَقِيلَ لَهُ: حَوِّلْهُ، فَحَوَّلَهُ عَلَى إناءٍ مِنْ خَلَنْجٍ وَجِيءَ بِهِ فَأَكَلَهُ. رواه البيهقي بإسناد حسن.
«الخَلَنْج»: الجفْنَةُ.
فيه: أن طريق حل تناول ما في إناء النقدين أن يحوِّل منه إلى آخر، ويستعمل من ذلك.

.365- باب تحريم لبس الرجل ثوبًا مزعفرًا:

1798- عن أنس رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَتَزَعْفَرَ الرجُل. متفق عَلَيْهِ.
1799- وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قَالَ: رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: «أُمُّكَ أمَرَتْكَ بِهَذا؟» قلتُ: أَغْسِلُهُمَا؟ قال: «بَلْ أَحْرِقْهُمَا».
وفي رواية، فَقَالَ: «إنَّ هَذَا مِنْ ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلا تَلْبَسْهَا». رواه مسلم.
قال البخاري: باب النهي عن التزعفر للرجال، وذكر حديث أنس بلفظ: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل) ثم قال: باب الثوب المزعفر وذكرحديث ابن عمر قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبس المحرم ثوبًا مصبوغًا بورس، أو بزعفران).
قال الحافظ: قوله: (باب النهي عن التزعفر للرجال)، أي: في الجسد؛ لأنه ترجم بعده: باب الثوب المزعفر. وقيده بالرَّجُل ليخرج المرأة.
واختُلف في النهي عن التزعفر، هل هو لرائحته لكونه من طيب النساء، أو للونه فيلتحق به كل صفرة؟ وقد نقل البيهقي عن الشافعي أنه قال: أنهى الرجل الحلال بكل حال أن يتزعفر، وآمره إذا تزعفر أن يغسله. وأرخص في المعصفر؛ لأنني لم أجد أحدًا يحكي عنه إلا ما قال علي: (نهاني، ولا أقول نهاكم).
قال البيهقي: قد ورد ذلك عن غير علي، وساق حديث عبد الله بن عمرو قال: رأى عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين، فقال: «إن هذه من ثياب الكفار، فلا تلبسهما». أخرجه مسلم. وفي لفظ له: فقلت: أغسلهما. قال: «لا بل أحرقهما».
قال البيهقي: فلو بلغ ذلك الشافعي، لقال به إتباعًا للسنَّة، كعادته. والكراهة لمن تزعقر في بدنه أشد من الكراهة لمن تزعفر في ثوبه. انتهى ملخصًا.

.366- باب النهي عن صمت يوم إلَى الليل:

1800- عن عليٍّ رضي الله عنه قَالَ: حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلاَمٍ، وَلا صُمَاتَ يَومٍ إِلَى اللَّيْلِ». رواه أَبُو داود بإسناد حسن.
قَالَ الخَطَّابِيُ في تَفسيرِ هَذَا الحديث: كَانَ مِنْ نُسُكِ الجَاهِلِيَّةِ الصُّمَاتُ. فَنُهُوا في الإسْلاَمِ عَن ذَلِكَ وأُمِرُوا بالذِّكْرِ وَالحَدِيثِ بالخَيْرِ.
1801- وعن قيس بن أَبي حازم، قَالَ: دَخَلَ أَبُو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه عَلَى امْرأَةٍ مِنْ أحْمَسَ يُقَالُ لَهَا: زَيْنَبُ، فَرَآهَا لا تَتَكَلَّمُ. فَقَالَ: مَا لَهَا لا تتكلمُ؟ فقالوا: حَجَّتْ مصمِتةً، فقالَ لها: تَكَلَّمِي، فَإنَّ هَذَا لا يَحِلُّ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الجَاهِليَّةِ، فَتَكَلَّمَتْ. رواه البخاري.
قال ابن قدامة في (المغني): (ليس من شريعة الإسلام الصمت عن الكلام، وظاهر الأخبار تحريمه واحتج بحديث أبي بكر وحديث علي، وإن نذر ذلك لم يلزمه الوفاء به). وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي: ولا نعلم فيه مخالفًا. انتهى.
قال الشيخ أبو إسحاق في (التنبيه): ويكره صمت يوم إلى الليل.
قال في (الفتح): والأحاديث الواردة في فضل الصمت لا تعارض ما جزم به في (التنبيه) من الكراهة لاختلاف المقاصد في ذلك.
والصمت المرغَّب فيه: ترك الكلام في الباطل، وكذا المباح إن جرَّ إلى شيء من ذلك.
والصمت المنهيُّ عنه: ترك الكلام في الحق لمن يستطيعه، وكذا المباح المستوعب الطرفين.

.367- باب تحريم انتساب الإنسان إِلَى غير أَبيه وَتَولِّيه إِلَى غير مَواليه:

1802- عن سعد بن أَبي وقاص رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أنَّهُ غَيْرُ أبِيهِ، فالجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ». متفق عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: وعيد شديد لمن انتسب إلى غير أبيه.
1803- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أبِيهِ، فَهُوَ كُفْرٌ». متفق عَلَيْهِ.
المراد: من رَغِبَ عن نسب أبيه عالمًا مختارًا، فهو حرام، وقد فعل فعلًا شبيهًا بفعل أهل الكفر، وليس المراد حقيقة الكفر، الذي يخلد صاحبه في النار، فهو كفر دون كفر.
1804- وعن يزيد بن شريكِ بن طارِقٍ، قَالَ: رَأيتُ عَلِيًّا رضي الله عنه عَلَى المِنْبَرِ يَخْطُبُ، فَسَمِعْتُهُ يقُولُ: لا واللهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ نَقْرؤُهُ إِلا كِتَابَ اللهِ، وَمَا في هذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَنَشَرَهَا فَإذَا فِيهَا أَسْنَانُ الإبِلِ، وَأشْيَاءُ مِنَ الجَرَاحَاتِ، وَفِيهَا: قَالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «المَدينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَومَ القِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلًا. ذِمَّةُ المُسْلِمينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَومَ القِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلًا. وَمَن ادَّعَى إِلَى غَيرِ أَبيهِ، أَوْ انْتَمَى إِلَى غَيرِ مَوَاليهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعينَ؛ لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَومَ القِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلًا». متفق عَلَيْهِ.
«ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ» أيْ: عَهْدُهُمْ وأمَانَتُهُمْ. «وأخْفَرَهُ»: نَقَضَ عَهْدَهُ. «وَالصَّرْفُ»: التَّوْبَةُ، وَقِيلَ الحِيلَةُ. «وَالعَدْلُ»: الفِدَاءُ.
في هذا الحديث: تكذيب للرافضة الذين زعمو أنه صلى الله عليه وسلم خص عليًّا عن سائر الناس بعلم لم يطلعوا عليه.
وفيه: التصريح في تغليظ تحريم الانتساب إلى غير أبيه، وانتماء المعتق إلى غير مواليه لما فيه من كفر النعمة، وتضييع حقوق الإرث، والولاء، والعقل، وغير ذلك، مع ما فيه من القطيعة والعقوق.
1805- وعن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه: أنَّه سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، فَلَيْسَ مِنَّا، وَلَيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بالكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُو اللهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلا حَارَ عَلَيْهِ». متفق عَلَيْهِ، وهذا لفظ رواية مسلم.
قال الحافظ: وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والادعاء إلى غيره. وقيد في الحديث بالعلم، ولا بد منه في الحالتين إثباتًا ونفيًا، لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له.
وفيه: جواز إطلاق الكفر على المعاصي لقصد الزجر.
ويؤخذ منه تحريم الدعوى بشيء ليس هو للمدعي، فيدخل فيه الدعاوي الباطلة كلها: مالًا، وعلمًا، وتعالمًا، ونسبًا، وحالًا، وصلاحًا، ونعمة، وولاء، وغير ذلك. ويزداد التحريم بزيادة المفسدة المترتبة على ذلك.